أصحاب الأخدود
الأخدود قصة قوم ذكروا في القرآن. تتعلق القصة حول قيام الملك يوسف ذو
النواس الحميري بحرق سكان مدينة نجران قبل أكثر من 1500 عام عقابا لهم على
ايمانهم بالله، ولم يعلم عنهم أحد شيئا حتى ورد ذكرهم في القرآن الكريم.
ورغم مرور آلاف السنين مازالت العظام الهشة السوداء والرماد الكثيفة شاهدة
على الحريق الهائل التي اصاب مدينة الاخدود في عام 525 من الميلاد. وللآن
تروي تلك الأطلال والمباني قصة اصحاب الاخدود الذين ورد ذكرهم في القرآن
الكريم.
"رقمات " أو مدينة الاخدود الأثرية والتي تقع على مساحة 5 كيلو مترات مربعة
على الحزام الجنوبي من وادي منطقة نجران (جنوب السعودية) مازال يكتنفها
الغموض والأسرار رغم عمليات التنقيب والحفر المتواصل لمدة عشر سنوات
متتالية.
ويشير علماء الآثار بمنطقة نجران إلى أن منطقة الاخدود الأثرية تحتاج إلى
مايقارب 30 سنة لمعرفة جميع أسرارها، وان ماتم اكتشافه للآن لايمثل إلا
جزءا من آثارها ومعالمها.
الحديث
روى الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن
بن أبي ليلى عن صهيب الرومي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال:
(كان فيمن كان قبلكم ملك، وكان له ساحر، فلما كبر الساحر قال للملك:
إني قد كبر سني وحضر أجلي، فادفع إليّ غلاماً لأعلمه السحر، فدفع إليه
غلاماً كان يعلمه السحر، وكان بين الساحر وبين الملك راهب، فأتى الغلام على
الراهب، فسمع من كلامه فأعجبه نحوه وكلامه، وكان إذا أتى الساحر ضربه،
وقال: ما حبسك؟ وإذا أتى أهله ضربوه، وقالوا ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى
الراهب، فقال: إذا أراد الساحر أن يضربك فقل: حبسني أهلي، وإذا أراد
أهلك أن يضربوك فقل: حبسني الساحر.
قال: فبينما ذات يوم إذ أتى على دابة فظيعة عظيمة قد حبست الناس فلا
يستطيعون أن يجوزوا، فقال: اليوم أعلم: أمر الراهب أحب إلى اللّه أم
أمر الساحر؟ قال، فأخذ حجراً، فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك
وأرضى من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس، ورماها فقتلها، ومضى
الناس، فأخبر الراهب بذلك، فقال: أي بني أنت أفضل مني، وإنك ستبتلى، فإن
ابتليت فلا تدلّ عليّ، فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء
ويشفيهم.
وكان للملك جليس، فعمي، فسمع به، فأتاه بهدايا كثيرة فقال: اشفني ولك ما
ههنا أجمع، فقال: ما أنا أشفي أحداً، إنما يشفي اللّه عزَّ وجلَّ، فإن
آمنت به دعوت اللّه فشفاك، فآمن فدعا اللّه فشفاه، ثم أتى الملك فجلس منه
نحو ما كان يجلس، فقال الملك: يا فلان من رد عليك بصرك؟ فقال: ربي؟
فقال: أنا! قال: لا، ربي وربك اللّه، قال: ولك رب غيري؟ قال:
نعم، ربي وربك اللّه، فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فبعث إليه فقال:
أي بني بلغ من سحرك أن تبرئ الأكمه والأبرص وهذه الأدواء؟ قال: ما أشفي
أحداً إنما يشفي اللّه عزَّ وجلَّ. قال: أنا؟ قال: لا، قال:
أولك رب غيري؟ قال: ربي وربك اللّه، فأخذه أيضاً بالعذاب، فلم يزل به
حتى دل على الراهب.
فأتى بالراهب، فقال: ارجع عن دينك، فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى
وقع شقاه، وقال للأعمى: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه،
حتى وقع شقاه إلى الأرض، وقال للغلام: ارجع عن دينك فأبى، فبعث به مع نفر
إلى جبل كذا وكذا، وقال: إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فدهدهوه،
فذهبوا به فلما علوا به الجبل قال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم
الجبل، فدهدهوا أجمعون، وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك، فقال: ما
فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم اللّه تعالى، فبعث به مع نفر في قرقور،
فقال: إذا لججتم به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فغرقوه في البحر، فلججوا
به البحر، فقال الغلام: اللهم اكفنيهم بما شئت فغرقوا أجمعون.
وجاء الغلام حتى دخل على الملك، فقال: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم
اللّه تعالى، ثم قال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، فإن أنت
فعلت ما آمرك به قتلتني، وإلا فإنك لا تستطيع قتلي، قال: وما هو، قال:
تجمع الناس في صعيد واحد، ثم تصلبني على جذع، وتأخذ سهماً من كنانتي، ثم
قل: باسم اللّه رب الغلام، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، ففعل ووضع السهم في
كبد قوسه، ثم رماه وقال: باسم اللّه رب الغلام، فوقع السهم في صدغه فوضع
الغلام يده على موضع السهم، ومات، فقال الناس: آمنا برب الغلام. فقيل
للملك: أرأيت ما كنت تحذر؟ فقد واللّه نزل بك؛ قد آمن الناس كلهم، فأمر
بأفواه السكك فخدت فيها الأخاديد، وأضرمت فيها النيران، وقال: من رجع عن
دينه فدعوه وإلا فأقحموه فيها، قال: فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون،
فجاءت امرأة بابن لها ترضعه، فكأنها تقاعست أن تقع في النار، فقال الصبي:
اصبري يا أُماه فإنك على الحق "أخرجه أحمد ورواه مسلم والنسائي
بنحوه".
وروى ابن أبي حاتم، عن الربيع بن أنس في قوله تعالى: {قتل أصحاب
الأخدود} قال: سمعنا أنهم كانوا قوماً في زمان الفترة، فلما رؤوا ما
وقع في الناس من الفتنة والشر، وصاروا أحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون،
اعتزلوا إلى قرية سكنوها وأقاموا على عبادة اللّه مخلصين له الدين، فكان
هذا أمرهم حتى سمع بهم جبار من الجبارين وحدث حديثهم فأرسل إليهم، فأمرهم
أن يعبدوا الأوثان التي اتخذوا وأنهم أبو عليه كلهم، وقالوا: لا نعبد إلا
اللّه وحده لا شريك له، فقال لهم: إن لم تعبدوا هذه الآلهة التي عبدت
فإني قاتلكم، فأبوا عليه، فخد أخدوداً من نار، وقال لهم الجبار بعد أن
وقفهم عليها، اختاروا هذه أو الذي نحن فيه، فقالوا: هذه أحب إلينا وفيهم
نساء وذرية، ففزعت الذرية، فقالوا لهم - أي آباؤهم: لا نار من بعد اليوم،
فوقعوا فيها، فقبضت أرواحهم من قبل أن يمسهم حرها، وخرجت النار من مكانها
فأحاطت بالجبارين، فأحرقهم اللّه بها، ففي ذلك أنزل اللّه عزَّ وجلَّ:
{قتل أصحاب الأخدود * النار ذات الوقود * إذ هم عليها قعود * وهم على ما
يفعلون بالمؤمنين شهود * وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا باللّه العزيز
الحميد * الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد} "أخرجه
ابن أبي حاتم، وروى محمد بن إسحاق قصة أصحاب الأخدود بسياق آخر وأنها كانت
مع عبد اللّه بن التامر وأصحابه المؤمنين في نجران،
واللّه أعلم".