لمنهج النقلي: هو طريقة دراسة النصوص المنقولة.
ويقوم على العناصر العامة التالية:
1_ توثيق إسناد النص إلى قائله: بمعنى التأكيد من صحة صدور النص من قائله.
ويتأتى هذا بالرجوع إلى المنهج الخاص في المجال المعرفي الخاص به، كعلم
الرجال في دراسة أسانيد أحاديث الأحكام الفقهية، وتاريخ الرواة العاربة
والحاضرة في دراسة اللغة والأدب.
2_ التحقق من سلامة النص: بمعنى التأكد من أن النص لم يدخله التحريف أو
التصحيف أو الزيد أو النقص أو ما إلى هذه، أي أنه سليم من هذه وكما قاله
قائله.
3_ فهم مدلول النص: ويتأتى هذا بالرجوع إلى الوسائل والأدوات العلمية
المقرر استخدامها لذلك، وتعرف في ضوء المنهج الخاص بحقله المعرفي كعلم أصول
الفقه بالنسبة إلى معرفة مداليل النصوص الفقهية من آيات وروايات.
ومجال استخدام هذا المنهج: كل معرفة مصدرها النقل.
ويتمثل في الاعتماد على:
1 - اجماع الامة.
2 - اجماع الصحابة.
3 - سيرة الصحابة.
4 - اجماع السلف - وهم مسلمو القرن الاول الهجري - .
5 - الخبر المتواتر.
6 - خبر الواحد المتلقى بالقبول، وعند بعضهم، خبر الواحد مطلقاً.
7 - الأخذ بالنص الشرعي - قرآناً او حديثاً - بحمله على ظاهره الحقيقي من غير تأويل.
8 - عدم جواز الحمل على المجاز.
9 - التوقف في اعطاء الرأي:
أ - عند عدم وجود نص شرعي في المسألة.
ب - عند تعارض النصين الشرعيين وعدم وجود مرجح شرعي لاحدهما على الآخر.
ح - عند اجمال النص لانه متشابه أو لانغلاق فهم معناه أو لغيرهما.
وهو منهج أهل الحديث من الظاهرية والسلفية.
-*-*-*-*-*-
المنهج العقلي: هو طريقة دراسة الأفكار والمبادئ العقلية.
ويقوم على قواعد علم المنطق الأرسطي، فيلتزم الحدود والرسوم في التعريف، والقياس والإستقراء والتمثيل في الإستدلال.
وقد عدّل فيه المناطقة المسلمون، فالتزموا في التعريف ما سموه ب (شرح
الاسم)، وابتعدوا عن وجوب الأخذ بالحد والرسم، وعللوا هذا بعدم وجود فصول
لحقائق الأشياء يمكن الوصول إليها ومعرفتها، وعليه يكتفي ب (الخاصة) وهي
تعني ما يطلق عليه في البحوث العلمية التجريبية ب (الظاهرة).
كما أضافوا إلى مادة الإستقراء في كثير من مؤلفات المنطق الحديثة الطرق
الخمس التي وضعها (جون استيوارت مل)، والتي تسمى (طرق الإستقراء) و(قوانين
الإستقراء)، وموضوعاتٍ أخرى رأوا من اللازم اضافتها.
أما خطوات البحث، والتي يسميها هذا المنطق ب (حركة العقل بين المعلوم
والمجهول)، وقد يطلقون عليها اسم (النظر) واسم (الفكر)، فيلخصها الشيخ
المظفر في كتابه (المنطق) بقوله: "أن النظر ـ أو الفكر ـ المقصود منه:
إجراء عملية عقلية في المعلومات الحاضرة لأجل الوصول إلى المطلوب.
والمطلوب: هو العلم بالمجهول الغائب.
وبتعبير آخر أدق: إن الفكر هو: حركة العقل بين المعلوم والمجهول.
وتحليل ذلك: أن الإنسان إذا واجه بعقله المشكل (المجهول) وعرف أنه من أي
أنواع المجهولات هو، فزع عقله إلى المعلومات الحاضرة عنده، المناسبة لنوع
المشكل، وعندئذ يبحث فيها، ويتردد بينها، بتوجيه النظر إليها، ويسعى إلى
تنظيمها في الذهن، حتى يؤلف المعلومات التي تصلح لحل المشكل، فإذا استطاع
ذلك، ووجد ما يؤلفه لتحصيل غرضه، تحرك عقله حينئذٍ منها إلى المطلوب، أعني
معرفة المجهول وحل المشكل.
فتمر على العقل
-*-*-*-*-
المنهج الاستقرائي:
يقوم المنهج الاستقرائي على (تصفح الجزئيات وتتبعها لإثبات حكم
كلي)[8]. أي إنه استدلال تكون فيه النتيجة أكبر من المقدمات المشتركة في
تكوين ذلك الاستدلال. ويمثَّل له بتمدد قطع الحديد بالحرارة في أماكن
مختلفة من الأرض ، فتمدد قطعة من الحديد في شرق الأرض ، وتمدد قطعة أخرى في
غربها ، وثالثة في الوسط يوصلنا إلى نتيجة استقرائية وهي تمدد الحديد
بالحرارة على وجه سطح الأرض. وتلك النتيجة أكبر من المقدمات المستخدمة في
الاستقراء. وهنا سار الدليل الاستقرائي من مرحلة الخاص إلى مرحلة العام.
والمنهج الاستقرائي في المعارف الاجتماعية يقوم على أساس قراءة
المصاديق والحالات الجزئية واستخراج قاعدة كلية على ضوئها. وهذا المنهج
يناسب بحوث العلوم الإنسانية كعلم الاجتماع والاقتصاد والسياسة والتعليم
والقضاء وغيرها ؛ لأن العلم التجريبي الإنساني يستقرئ حالات اجتماعية
متعددة ليخرج بعدها بقاعدة كلية لا تقبل الخطأ. فعلم الاجتماع يستطيع
استقراء حالات الفقر والفاقة والعوز لدى الأفراد ليخرج بعدها بنتيجة مفادها
عدم عدالة نظام الأجور. مثلاً : إذا افترضنا أن أجرة عامل الميكانيك ضئيلة
جداً وعلى أثرها أصبح العامل فقيراً ، وأن أجرة عامل الخدمات لا تكاد تكفي
إشباع الأطفال في عائلته ، وأن أجرة العامل الزراعي ضئيلة إلى درجة أنه لا
يستطيع أن يشتري ثياباً له ولزوجته ، كانت النتيجة أن الفرد الذي يكون
أجره ضئيلاً يدخل طبقة الفقراء. وهذه الطريقة الاستقرائية رفعت الاستنتاج
من الخاص إلى العام.
ولاشك أن النقاش الفلسفي الجاد حول عقم الدليل الاستقرائي خارج عن
نطاقنا هنا. لكننا لا نتعامل في حقل الدليل الاستقرائي مع النظريات الثابتة
، بل نستطيع استخدام الدليل الاستقرائي في العلوم الإنسانية التجريبية
المتغيرة أو المتطورة. وهذه النقطة بالغة الحساسية ، لأن استخدام المنهج
الاستقرائي في النظرية الاجتماعية الدينية مثلاً يخرب مباني تلك النظرية
ويبعدنا عن مفاهيم الدين الثابتة التي لا تقبل المنهج التجريبي المتغير.
-*-*--*-*-
المنهج الوصفي:
"يعد المنهج الوصف من أكثر مناهج البحث الاجتماعي ملاءمة للواقع الاجتماعي
وخصائصه. وهو الخطوة الأولى نحو تحقيق الفهم الصحيح لهذا الواقع. إذ من
خلاله نتمكن من الإحاطة بكل أبعاد هذا الواقع، محددة على خريطة، تصف وتصور
بكل دقة كافة ظواهره وسماته " . وقد واكب المنهج الوصفي نشأة علم
الاجتماع، وقد ارتبطت نشأته بحركة المسح الاجتماعي في إنجلترا، أو منهج
لوبلاي في دراسة الحالة، ونشأة الدراسات الأنثروبولوجية.
والفكرة الأساسية التي يقوم عليها المنهج الوصفي هي: أن المشكلة التي واجهت
الدراسة العلمية للظواهر الاجتماعية، هي عدم وجود منهج علمي حقيقي، يصلح
لتحليل هذه الظواهر. فلم تكن الملاحظة خاضعة لقواعد تنظمها، بحيث نعرف بدقة
كيفية الملاحظة، وأهمية الظواهر التي تُلاحظ، وأكثرها دلالة. ولذلك فإن
المنهج الوصفي يعتمد على خطوات هي:
(أ ) اختيار الوحدة الاجتماعية الأولية والأساس في الموضوع المدروس.
(ب ) اكتشاف الطريقة الملائمة للقياس الكمي لمختلف عناصر مكونات وحدة الدراسة.
(ت ) فحص العوامل المختلفة المؤثرة في تنظيم الظاهرة المدروسة في وظائفها.
وعلى هذا فإن البحوث الوصفية تتم على مرحلتين، مرحلة الاستكشاف والصياغة.
ومرحلة التشخيص والوصف المتعمق. وهما مرحلتان مرتبطتان ببعضهما. ويعد المسح
الاجتماعي ودراسة الحالة، والبحوث السكانية التي تصف المواليد، والوفيات،
وتحركات السكان، وتوزيعهم، بحوث وصفية، تمثل المنهج الوصفي، ويوفر المنهج
الوصفي كثيراً من البيانات والمعلومات التي تزيد المعرفة بالظواهر، وتنمي
البصيرة بالواقع الاجتماعي بكل أبعاده.
-*-*-*-*-
المنهج الخاص بالمحدثين والفقهاء: وهو المنهج النقلي المحض
ويعتبر الإمام أحمد بن حنبل (ت 241 للهجرة ) رائداً لتلك المدرسة في ذلك
الوقت، ومن أقدم شخصياتها، وهذا المنهج يمثله أهل الحديث الذين لا شأن لهم
عدا المحافظة على التراث الروائي ونقله دون التدبّر والتعمّق في مغزاه،
وتمييز غثه من سمينه، وصحيحه من سقيمه، ويسمّى هذا الاتّجاه في العصور
الأخيرة باسم سلفية وينحو الحنابلة في الفقه هذا المنحى. إنّ هؤلاء حرّموا
الرأي والنظر في المسائل الدينية، وعدّوا السؤال بدعة، والكلام والحجاج
فيها ابتداعاً وانحيازاً لأهل الأهواء، وعكفوا على دراسة السنّة دراسة
خالية من التعمّق، وسمّوا منهجهم هذا اتّباعاً وغيره ابتداعاً.
وقصارى جهد هؤلاء أن يدوّنوا الأحاديث الواردة في المسائل الاعتقادية، أو
أن يبوّبوها أو يشرحوا ألفاظها أو يذكروا أسانيدها، كما فعله الإمام
البخاري وأحمد بن حنبل وابن خزيمة والبيهقي وابن بطّة، وبلغ بهم الأمر إلى
أن حرّموا علم الكلام والنظر العقلي في مسائل العقيدة، وأفرد بعضهم رسالة
في تحريمه، كما فعل ابن قدامة في رسالته المسمّاة رسالة تحريم النظر في علم
الكلام.
قال أحمد بن حنبل: لا يفلح صاحب الكلام أبداً، ولا تكاد ترى أحداً نظر في
الكلام إلاّ وفي قلبه دغل. وبالغ في ذمّة حتى هُجر الحارث المحاسبي مع زهده
وورعه بسبب تصنيفه كتاباً في الردّ على المبتدِعة، وقال له: ويحك ألست
تحكي بدعتهم أوّلاً ثمّ تردّ عليهم؟! ألست تحمل الناس بتصنيفك على مطالعة
البدعة والتفكّر في تلك الشبهات فيدعوهم ذلك إلى الرأي والبحث؟